هل يعد قوله تعالى: "كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا" سباً ؟

موقع الشيخ علي الجزيري يرحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الاقسام
عنوان السؤال: هل يعد قوله تعالى: "كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا" سباً ؟
ابو كرار 2019/06/19 1152

السؤال: هل يعد قوله تعالى: "كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا" سباً ؟ وهل السب ينافي الأخلاق الإسلامية ؟

مقطعٌ مقتبسٌ من درس 18 محرم 1435هــ


الرابط: https://youtu.be/S9N5XK-N950

تُطلقُ كلمة (السّب) في اللغة على الوصفِ المشتملِ على التنقيص، والذي يُقال بداعي التنقيص.

فإذا قُلتَ لرجلٍ مثلًا: أيها الأعرج، ففي هذا وصفٌ مشتمل على تنقيص: نقص عضوِ، ولكن: هل هو سبٌ؟
لا بُدّ أن ننظر إذا كانت أركان السب متحققة أم لا، ذلك أن السبّ يشتملُ على ركنين:
الركن الاول: أن يكون الوصفُ مشتملًا على تنقيص.
والركن الثاني: أن يُكون بداعي التنقيص.

 

فإذا صدر بداعي التعريف مثلاً، كأن يسأل الوالد ابنه الصغير: من الذي جاء؟ فيقول الابن: فلانٌ الأعور/ أو الأعرج، فهو ليس سباً، فالسبّ ما صدر بداعي التنقيص لا التعريف.


وأما تمثيل الإنسان بالكلب: فهذا وصفٌ مشعر بتنقيص، فجميع أركان مفهوم السب متوفرةٌ فيه.

وكذلك الأمرُ في قوله تعالى: (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)


وكذلك في قول الرجل لرجلٍ في وصفه: هذا حمارٌ أو الحمارُ الذي سبّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله.

وهنا لا بد أن ينظر فيه:
فإن كان المراد أنّ الذي سبّ رسول الله (ص) حيوانٌ ناهقٌ، فذلك كذبٌ؛ لأنّ السابّ ليس حيواناً ناهقا بل ناطق. وإن كان المقصود الكناية والتنزيل: أن حاله كالحمار، فهو تشبيه.

ومثلما أصف الجميل بالقمر، والشجاع بالأسد، كذلك يصحُّ أن أصف الغبي بالحمار.
وهنا ينظر في حال الساب الذي سبّ رسول الله صلى الله عليه وآله: هل هو غبي أم لا، فإن كان غبياً فهذا وصفٌ صادقٌ، فأكون سببتُ إنسانًا بسبٍ هو فيه ولا حرمة له؛ لأن من يسب رسول الله صلى الله عليه وآله فلا حرمة له،  ولا يوجد قيدٌ شرعي، بخلاف القيد الشرعي في القذف، الذي يحرمُ حتى مع من ولد لغير رشدة.


فالسب إذا كان في محله وكان صادقا ولمن لم يكن له حرمة في الشرع، وسُبَّ فيما هو مأذون شرعاً، ولم يكن سبّ قذفٍ فلا مانع منه، بل قد تتوفر الدواعي الصحيحة له، ويكون من الحكمة أن تسبّه كما هو الحال في القرآن الكريم. فنحنُ نعلم أن الله سبحانه وتعالى جميع أفعاله له حِكَمٌ بالغةٌ، فالسبُّ في نفسه ليس فبيحاً.

وبذلك يتضحُ وجه التوفيق بين الآية الشريفة وما جاء في الرواية الشريفة: (وأكثروا من سبهم)


وقد تكلمنا مرارًا في أن السب في نفسه ليس قبيحًا، وقلنا: هل يحكم العقل بقبح بعض الأفعال وحسنها؟

فيه خلاف بين أهل القبلة: حيثُ ذهب الإمامية والمعتزلة إلى أن العقل يستقل بحسن بعض الأفعال وقبح بعض منها. و ذهب الأشاعرة أن العقل عاجز عن إدارك قبح أي فعل أو حسنه، فالحُسنُ عندهم ما حسّنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع، هذه المقدمة الأولى.

والمقدمة الثانية، إن حكم العقل بحسن الأفعال مرجعه إلى حسن العدل، فجميع الأفعال الحسنة تدخل في العدل،

وحكم العقل بقبح بعض الأفعال فمرجعه قبح الظلم .


فالأفعال التي تدخل في الظلم مثل: ضرب اليتيم بغير مبررٍ يدخل في الظلم، فهو قبيح، وكذلك الحال مع أخذ مال الناس،  فالعقل عنده قضية هي أم القضايا: وهي حسن العدل وقبح الظلم.

نأتي إلى السب ونسأل العقل، هل السب حسنٌ أم فبيح؟
العقل يقول الذي أحكم به أنه إذا كان السبُّ عدلاً فهو حسن، و إذا كان ظُلماً فهو قبيح.
فمن أي قسمٍ هذا السب: أهو من العدل أو من الظلم؟

إذاً يجب معرفة نوع السب من أي نوع ، من العدل أو الظلم .

فمن سب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فسبه للرسول صلى الله عليه وآله ظلم؛ فالنبي صلى الله عليه وآله رحمةٌ للعالمين، وهو كاملٌ لا نقص فيه، فمن سبّه ظالمٌ، ومن سبّ ساب رسول الله صلى الله عليه وآله فهو عدل، والعدل حسن، فهذا حكم العقل.


وأما الشرع ، فعنوان السب في نفسه لم يرد فيه حكمٌ شرعي، لا في القرآن ولا في الرواية، فلا يوجد حكم للسب بعنوانه العام.

نعم هناك حكم لبعض مصاديقه: مثل حرمة سب المؤمن، وحرمة السب الذي من مصاديق القذف، أو أن يكون السب داخلاً تحت عنوان آخر كالكذب، فهو حرام؛ لأنه داخل تحت عنوان محرم آخر وهو الكذب، كأن تقول لإينشتاين هذا الحمار، فإذا أردت بذلك الكناية عن غباءه، فهذا كذبٌ، أما إذا أردت بذلك الكناية عن شيءٍ آخر كأن تقصد أنه يحمل أسفارا وعنده من العلم ما لم ينتفع به، فهذا صحيح.


فهذا التعبير الكنائي إن قصدت به غباءه فهو كذب، وهو حرامٌ، ليس لأجل أن انشتاين له حرمة في الشرع، بل لأنه داخلٌ تحت عنوانٍ محرمٍ آخر وهو الكذب، فالسب في نفسه كعنوان ليس محرماً في الشرع بخلاف عنوان الكذب.


وكذلك الأمر في عنواني المدح والذم، إذ ليس لهما حكمٌ في الشرع، وإن وجد لبعض مصاديقهما، كما  يوجد في بعض الروايات ذم المدح: كقوله وتقبله، ويروى عند غيرنا أن أباذر سمع أحدا يمدح رجلًا فأخذ بيده كفا من التراب وضرب وجوههم، فقال له الرجل: ويلك ما هذا؟ تضرب وجوه المسلمين بالتراب! قال: إنه لم أفعل إلا ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب».

طبعاً لو أن أحداً مدح أمير المؤمنين عليه السلام أمام أباذر لطرب أبوذر.

 

فالسب في نفسه بعنوانه العام ليس له حكمٌ في الشرع، وتوجد بعض المصاديق لها أحكام خاصة في الشرع بعناوين مختلفة.


التالي السابق